كيف أعتذر لأمي ؟

في يوم من الأيام.. كان هناك ولدين صديقين.. علاقتهما وتعلقهما ببعض كتعلق الرئتين بالأكسجين...
كانا كثيراً ما يخرجان معاً.. يأتيان لزيارة بعضهما البعض... يخبران أسرارهما لبعض...
لم يمضي يوم واحد إلا ولابد من الصديقين أن يلتقيا معاً...
أحدهما كان اسمه سامر... والآخر اسمه هاني...

وفي يوم من الأيام خرج هاني من منزله وذهب للحديقة العامة حيث يلتقي هناك يومياً مع سامر...
ولكن هذه المرة تأخر سامر على غير عادته...
قلق عليه هاني كثيراً وظل يراقب ساعته ويعد بالثواني حتى يظهر سامر...
وبعد مرور ربع ساعة... يئس هاني من الانتظار فقرر الذهاب لمنزل سامر لتفقد أحواله...
وما إن وقف من على الكرسي الذي كان يجلس عليه... حتى فجأة لمح سامر قادم من بعيد وعلامات الانزعاج تملأ وجهه...
فوقف هاني في مكانه منتظراً سامر حتى يصل إليه..
وعندما وصل صافحا بعض كالعادة ثم سأل هاني قائلاً "سامر! لماذا تأخرت؟ أقلقتني عليك كثيراً!"
فجلس سامر على الكرسي بملل ثم تنهّد قائلاً "في الحقيقة... لقد تشاجرتُ مع أمي!"
شعر هاني بأهمية الموضوع فقرر الجلوس بجانب صديقه والإنصات لما سيقوله له...
هاني "أخبرني! ماذا جرى؟"
سامر "طلبت مني أمي أن أشتري لها بعد الحاجيات من السوق المجاور! ولكنني نسيت طلبها هذا ونمت دون أشتري لها! وعندما استيقظت وجدتها غاضبة مني ولا تطيق النظر إليّ!! فتذكرتُ حينها أنني نسيت أمرها!"
هاني "وماذا فعلت؟ هل اشتريت لها ما تريد بعد أن تذكرت؟"
سامر "لا.. لم أفعل! أشعر بضيق شديد!! كل ما أريده الآن هو الاعتذار إليها! ولكن.. لا أعرف كيف!"
وبعد أن أتم سامر جملته.. انقلب هاني 180 درجة وأصبح غاضباً شرساً لا يطيق من حوله...
وأول ما فعله هو أنه دفع صديقه سامر الذي كان يجلس بجانبه وأسقطه أرضاً...
ثم رفع سامر رأسه ونظر بتعجب لهاني وقال "ما بك؟ ماذا حدث؟"
هاني "أنا لا أحبك!!"
فازداد تعجب سامر ثم قال "لماذا؟ ما الذي حدث فجأة؟"
هاني "لستَ صديقي بعد الآن!!!!"
سامر "هل لأنني تحدثتُ معك عن..."
ولم يكمل جملته إلا وقف هاني من مكانه وذهب مبتعداً عنه...
فوقف سامر من على الأرض ونظف ملابسه ثم لحق بهاني وهو يقول "هاني!! انتظر يا صديقي!!!"
فالتفت إليه هاني بينما هو يمشي بغضب ثم قال "لستَ صديقي!! ألا تفهم؟"
سامر "هل ما حدث له علاقة بموضوعي؟"
هاني "هذا ليس من شأنك!!"
سامر "حكيتُ لك ما جرى كي تساعدني! لا أن أفقد صداقتي معك!!"
ولكن هاني لم يرد... وتابع طريقه حتى وصل لمنزله ثم فتح الباب بالمفتاح الذي كان يحمله في جيبه ثم دخل للداخل وكان على وشك أن يغلق الباب لولا أن أمسكه سامر قائلاً "هاني! انتظر أرجوك! أخبرني ماذا يجري! لم أعد أفهم!! لن أطيق العيش بدونك يا صديقي!"
فابتسم هاني بسخرية ثم صفع الباب بقوة وأغلقه على وجه سامر...
فطأطأ سامر رأسه بحزن وشعر بفراغ كبير... وستكون الكارثة الكبرى إن ابتعد عنه صديقه المقرب...
مرت الأيام والصديقين على نفس الحال... كلما جاء سامر لزيارة هاني قام الآخر بطرده بعيداً وإغلاق الباب على وجهه...
وإن اتصل به لا يرد... فأصيب سامر بالإحباط وصار يشعر بالملل ولم يعد يحتمل ابتعاده عن هاني...
فقرر أن يعتذر إليه بالرغم من أنه لا يعلم السبب...

وفي يوم من الأيام بينما كان هاني في غرفته... سمع صوت جرس المنزل... فنزل مسرعاً وفتح الباب فوجد صديقه سامر أمامه يخفض رأسه بخجل وهو يحمل رسالة في يده...
فقال هاني بنبرته المعتادة "ماذا تريد؟!؟"
فمدّ سامر يده التي يحمل بها الرسالة وقدمها لهاني...
فأخذ هاني الرسالة وملامح الغضب مازالت على وجهه...
ثم فتحها وصار يقرأها ... وسامر كان ينظر للأرض بحزن...
وطبعاً الرسالة كان تحتوي على كلمات حنونة... تغطيها كلمات الاعتذار والأسف في كل زواياها...
كانت كلمات نابعة من القلب... كلمات جميلة رقيقة...
فرفع هاني بصره من على الرسالة ونظر لسامر...
وفجأة بكى سامر بحزن وقفز على صديقه وعانقه بقوة وهي تقول باكياً "سامحني أرجوك!!!!!! أنا أسف!!!! أنا أعتذر!! أحبك يا صديقي!!"
حينها ابتسم هاني ووضع ذراعه حول ظهر سامر ثم قال له "هذا هو السر!"
فتعجب سامر ثم قال "ماذا؟"
ثم أشار هاني بإصبعه على الرسالة التي كان يحملها في يده.. ثم أشار لنفسهما ويقصد به مشهد العناق... ثم قال "هذا ما أقصده!"
ازداد تعجب سامر وقال "لم أفهم!"
فابتسم هاني قائلاً "الآن صرتَ تعرف كيف تعتذر!!"
ثم أبعد هاني سامر عنه وقال "أنا يا صديقي لم أغضب منك أبداً!"
سامر "لـ.. لكنك.. كنتَ..."
هاني "أعلم! لم أكن إلا أتظاهر بهذا! لأعلمك كيف تعتذر! فهيا أعد ما فعلته واذهب لوالدتك واعتذر لها كما فعلت الآن!"
حينها فهم سامر ما يقصده هاني.. وهو أنه يتظاهر بالغضب كي يجعله يعتذر رغماً عنه وخصوصاً أنه يعلم أن سامر لا يستطيع أن يفترق عنه... ويتعلم أصول الاعتذار
شعر سامر بالسعادة الكبيرة للخطة التي فعلها هاني... وذهب لأمه وقدّم لها رسالة وعاتقها وهو يبكي أسفاً واعتذاراً...
فرضت عنه والدته وصارت تحبه... وهكذا زال الضيق الذي في قلبه...
فذهب سامر لصديقه وشكره على ما فعل...
سامر "شكراً لك يا هاني! لقدُ كنتُ أشعر بضيق شديد!"
فابتسم هاني ووضع يده على كتف سامر وغمز له قائلاً "ألا تعلم أن الصديق لوقت الضيق؟"
ففرح سامر بهذا الصديق المخلص.. ثم ردد بسعادة قائلاً "بلى! الصديق لوقت الضيق يا صديقي!"

النهاية...